|
مقال اعجبني
د. محمود نديم نحاس
كتبت في مقالتي السابقة عن ضرورة معرفة فضل كل الناس،
وذكرت قصة عمال النظافة الذين أضربوا في لبنان يوماً ما فضجَّت بيروت،
في حين لم يأبه لإضراب الطيارين إلا قلة من الناس.
فأرسل أحدهم يقول لي: إنه من السهل أن تجد أناساً آخرين يعملون في النظافة،
لكن ليس من السهل أن تجد من يعمل مكان الطيارين.
لقد ظن هذا أنني أقللت من فضل الطيارين ورفعت من فضل عمال النظافة.
ولم يكن هذا هدفي، بل كان مقصدي أن أقول بأن كل إنسان في هذه الدنيا له قيمة وفضل.
ثم وصلتني قصة بالبريد الإلكتروني،
قال مرسلها بأنها قصة حقيقية حصلت في مدينة أوربية صغيرة.
فأكدت لي صحة ما قصدته في مقالي السابق.
تقول القصة إن مفتشاً في مديرية التربية والتعليم أعلم إدارةَ إحدى المدارس
عن عزمه زيارة المدرسة للاطلاع على أحوالها وسير العملية التعليمية فيها.
وفي طريقه إلى المدرسة حدث عطل في محرك سيارته،
ففتح غطاء المحرك، وحاول الإصلاح دون جدوى.
فوقف حائراً لا يدري ماذا يعمل.
وبينما هو كذلك إذ مرّ به غلام ولاحظ حيرته،
فعرض عليه أن يساعده، فلم يتردد المفتش، وأعطى جواباً بالموافقة.
تساءل الغلام عما حصل للسيارة وكيف توقف المحرك.
فكَّر قليلاً ثم تناول بعض قطع العدة التي كانت لدى المفتش
وراح يجرب ما توقع أنه حل للمشكلة. وبعد برهة طلب من المفتش تشغيل السيارة،
فدار المحرك وعادت السيارة إلى سيرتها الأولى.
فشكره المفتش، لكنه أدرك أن هذا الغلام يجب أن يكون في المدرسة في هذه اللحظة،
فسأله: هل أنت طالب؟
فأجاب: نعم. فسأله: ولماذا لست في المدرسة في هذا الوقت؟
فأجاب الغلام: سيزور المفتش مدرستنا اليوم،
وبما أن المعلم يصفني بأني أغبى طالب في الفصل
فقد طلب مني أن أرجع إلى البيت قبل وصول المفتش
حتى لا يأخذ فكرة سيئة عن المدرسة!
بعد سردي للقصة أقول إن المشكلة عند ذلك المعلم هو تعريفه للغباء بأنه عدم النجاح في أمور بعينها.
ربما كان ذلك الولد ضعيفاً في القراءة أو في الحساب،
لكن تفكيره ممتد في مجالات أخرى، فها هو قد استطاع أن يصلح سيارة المفتش،
والتي قد لا يستطيع إصلاحها الطالب الأول على المدرسة.
لم يكن ذلك الطالب وحيداً، فمخترع المصباح الكهربائي، إديسون،
قال عنه معلموه إنه فاشل.
ولو بقي إديسون في المدرسة ولم تأخذه أمه ليتعلم تحت إشرافها في البيت
لما تمكن من الوصول إلى المخترعات الكثيرة التي توصل إليها.
هناك موظف أينما يوجهونه لا يأتِ بخير، يتململ منه مديره وزملاؤه،
لأنه ففي نظرهم لا يتقن أي عمل. فكان يتحول من قسم إلى آخر،
والنتيجة نفسها.
لكن في آخر تحويل له إلى أحد الأقسام اكتشف مديره أنه يجيد اللغة الإنجليزية،
فأخذ يرسله مع الوفود التي تُرسل إلى الخارج للاشتراك في المعارض الدولية،
فاستفاد منه استفادة كبرى، وشعر الموظف بأهمية عمله فأتقنه،
وما عادوا يستغنون عنه في أي معرض دولي، حيث يتجمع حوله الناس وهو يشرح لهم.
إن المجتمعات والهيئات والمؤسسات بحاجة إلى كل الطاقات وكل التخصصات،
فليكن عملنا تجميع الطاقات، واستغلالها جميعا لخدمة الأهداف،
بدلاً من اغتيالها أو احتقارها.
ولنضع كل شخص في مكانه المناسب،
وسنحصل على أفضل الحلول.
|
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق